وايزر لوك
“علينا أن نختار ما بين الأمان والمراقبة، إما أن يتجسس الكل على الآخر، أو لا يتجسس أحد على أحد” …بروس شناير

مكافحة الذباب الإلكتروني

الذباب الإلكتروني العربي

عمر أبو دف – مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وزيادة أعداد مستخدميه من الدول العربية، وتقدمها في الأهمية على الصحافة التقليدية، ظهرت وسائل جديدة تهدف لإرباك المتابعين ورواد هذه المواقع وللوصول إلى وهم السيطرة على الرأي العام، ومنها مصطلح الذباب الإلكتروني الذي ظهر حديثًا في عالم الإعلام الرقمي، ويقصد به تلك الحسابات الوهمية أو الحقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي الموجهة من جهات معيّنة لشن حملات إعلامية ممنهجة ضد أشخاص أو كيانات أو دول، وغالبًا ما يكون أصحابها مجهولين، وأسلحتهم الحواسيب، وساحتهم منصات التواصل الاجتماعي، ويطلق عليهم أيضًا اللجان الإلكترونية (في مصر) والجيش الإلكتروني (في سوريا)، والكتائب الإلكترونية (في الجزائر) وعناصرها ليسوا مدربين بل مبرمجين بهدف إنشاء عدد لا نهائي من المقاتلين الأوفياء لجهة ما بأسماء وهمية وحسابات غير حقيقية، وظيفتهم إعادة نشر آراء محددة وتبني مواقف معينة في وسائل التواصل الاجتماعي، كي تبدو وكأنها رأي عام لعدد كبير من المستخدمين وكأنهم يجمعون على رأي واحد أو يغردون بصوت واحد.

استخدام عربي مختلف

تستخدم دول العالم الذباب الإلكتروني في الغزو الفكري والاقتصادي والأخلاقي، والتأثير في الانتخابات وإثارة الفتن والصراعات داخل المجتمعات المستهدفة، ونشر الأخبار الزائفة بشكل دائم، ولكنها تزداد في أوقات الحروب والمنافسات الدولية والصراعات العالمية، أما في بلداننا العربية يختلف الحال قليلًا، فنحن نقلِّد بشكل خاطئ، ونستخدم الأشياء لتحقيق أهداف مختلفة، فما يشغل الدول في أوقات فراغها يشغل أوقاتنا كلها، فالعرب مبدعون في استغلال كل وسيلة جماهيرية أو دينية أو سياسية أو التي تحرِّكها المشاعر الوطنية، بهدف قلب الحقائق وتبني وجهة نظر نظام أو جماعة معيَّنة؛ للتأثير في الجمهور وكيِّ وعيه وإغفال عقله، فأصبحت ظاهرة «الذباب الإلكتروني» أو «اللجان والكتائب الإلكترونية» من أبلغ سوءات وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي خاصة بعد تفجر ثورات الربيع العربي، ومع تطور أداء الذباب الإلكتروني أصبح الآن جيشًا منظمًا يُنفق عليه بسخاء لتشويه المعارضة والخصوم، فهو يرصد الأخبار ويبني آراء مضادة عبر آلية بث الخوف والتشويش على الطرف الآخر المشارك في العمل السياسي.

أهداف سامَّة

الذباب الإلكتروني لا يناصر قضايا أمته المصيرية أو الأمنية أو التنمويَّة، بل يصب جلَّ جهوده في محاربة دول وأطراف أخرى، وجنَّد نفسه في بث السموم على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هذه الأهداف السامَّة خلق أزمات من لا شيء، ثم تكوين رأي عام مزيف؛ بهدف إشعال الصراعات بين الشعوب المختلفة وأحيانًا بين فئات الشعب الواحد، ويندرج تحتها تحفيز السجالات الدينية والطائفية والسياسية وتوجيهها وتعميقها، كما يتقن من يقف خلف هذه الأدوات نشر الكراهية والتحريض من خلال بث مجموعة دقيقة من المنشورات والمعلومات المزيَّفة والمضلِّلة، ومن أسوأ استخداماتها على الإطلاق فيما يتعلق بالدعاية المضادة من الجيوش خلال تنفيذ عمليات إجرامية، فيستعين الجيش بهذه اللجان الإلكترونية للتضليل والدعاية المغايرة لمجريات الحرب، والتغطية على وحشية الهجمات الجوية والبرية وإلحاق الخسائر بالأبرياء، وغالبًا ما يبدأ عمل هذه اللجان بما يعرف بـ«الهاشتاق»، ثم تبدأ الجيوش الإلكترونية في تبني تغريدة أو منشور أو عبارة لاستخدامها في الهجوم ضد الخصوم، ويجري العمل عليها في وقت واحد أو أوقات مخصصة، لتصبح «تريند» خلال وقت قصير بطرق غير مشروعة، وجزء من هذه الحسابات تدار عبر «روبوت الويب» أو (BOTS) الذي يقوم بمهام تلقائية عبر برمجة متكررة ينتج منها عدد كبير من الإعجابات أو المشاركات أو التعليقات على التغريدات والمنشورات بشكل وهمي، إذ تعتمد على إستراتيجية النشر الغزير الذي يؤدي لنشر «الهاشتاق» بشكل كبير؛ ما يجعله يتصدر قوائم التريند العالمية أو المحلِّية، وقبل ذلك تعد إسرائيل رائدة هذه الأعمال في المنطقة، حيث إنها ركزت بشكل كبير على مهاجمة الفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي ومحاربة المحتوى الفلسطيني بالتعاون مع الشركات العالمية مثل «تويتر» و«فيسبوك»، وكثيرًا ما ترد المقاومة بهجمات متنوعة تستهدف اختراق هواتف جنود إسرائيليين بعد إسقاطهم عن طريق منصات التواصل، كما أن هذه المحاولات لا تتوقف عند محاولة اختراق الحسابات أو السيطرة عليها، بل يشنون حملة تبليغ عنها لإجبار الشركات على إغلاقها ومحاربتها وتتبعها، وقبل ذلك يجري إرسال رسائل قد تشمل تهديدًا ووعيدًا أو التعليق على المنشورات بعبارات عنصرية هجومية، ونلاحظ أن الأنظمة المتعاونة مع إسرائيل باتت تمتلك وحدات إلكترونية خاصة بمحاربة المحتوى المقاوم والمناوئ لإسرائيل والأنظمة المطبِّعة معه.

مكافحة الذباب الإلكتروني

الذباب الإلكتروني كالمبيدات الحشرية، فهي رخيصة، وضارة مؤذية، ومرتدة على مستخدميها، والحقيقة أن التعريف السابق لهذه اللجان منقوص، إذا إن الأمر تعدى مواقع التواصل الاجتماعي إلى إنشاء مواقع إلكترونية بغطاء إعلامي أنشأت لأهداف لا علاقة لها بالعمل الصحفي، وخصصت لها أرقام خيالية ومخيفة في التمويل والصرف، لتبث سمومها في الفضاء الإعلامي والسحائب الإلكترونية، كما أنه لا يجب تضخيم حجم الذباب الإلكتروني، إذ بات جدارًا يعلق عليه السياسيون كلما توجه إليهم الانتقادات، وغالبًا ما تحارب هذه الآفة محليًّا من خلال قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي يهدف إلى تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بما يضمن حرية الرأي والتعبير، أما من يرفض الالتزام به ويستمر في لعبته عبر تلك اللجان البغيضة، فسيكون مجرمًا إلكترونيًّا، وعليه أن يواجه العقوبات نتيجة استخدامه السيئ للإنترنت، وفيما يتعلَّق بالذباب الإلكتروني الخارجي فأفضل وسائل الإبادة الفتاكة له، هو الحظر والإبلاغ، وعدم الانجرار وراء محاولات الحوار معهم، لأن ذلك يستغرق الوقت ويؤدي للإجهاد وبذلك يكونون قد حققوا غايتهم في إصابة الخصم باليأس وإبعاده عن منبره؛ لتخسر بذلك معركة الوعي أحد مقاتليها، فضلًا عن أنهم لن يقتنعوا بما ترد به عليهم، فهم لا يقرؤون التعليقات ولا يدخلون في حوار متماسك، ولا يهتمون بقضية الصواب والخطأ، وردودهم دائمًا ما تكون نصوصًا ثابتة محفوظة تفتقر للمنطق.

اترك تعليقا